1) قصر الصلاة في السفر :
- يقصد بقصر الصلاة هو أن يؤدي المصلي الصلاة الرباعية – وهي الظهر والعصر والعشاء – ثنائية؛ فيصلي كل واحدة منها ركعتين ركعتين .
أما صلاة المغرب والصبح ، فيصليهما تامَّتين من غير قصر ، إجماعاً .
- وقصر الصلاة قد دلت نصوص الشرع على مشروعيته ؛ فقال تعالى : )وَإِذَا ضَرَبْتُم في الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ( [النساء:101] ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : (فَرَضَ اللهُ الصَّلاةَ حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَينِ رَكْعَتَينِ في الحَضَرِ والسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ في صَلاةِ الحَضَرِ) [رواه البخاري ومسلم] .
- وقصر الصلاة في السفر أفضل من إتمامها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده داوموا على قصر الصلاة في أسفارهم ، ومن ذلك حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (صَحِبْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ لا يَزِيدُ في السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَينِ ، وأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثمانَ كذلك رضي الله عنهم) [رواه البخاري ومسلم].
2) شروط صحة القصر في السفر :
يشترط لقصر الصلاة في السفر عدة شروط ، هي :
أ ) أن يكون السَّفر مُباحاً .
ويقصد بالسفر المباح كل سفر أجازه الشرع سواء كان واجباً أو مندوباً أو مباحاً ؛ كالسفر إلى الحج أو الجهاد ، أو صلة الأرحام أو زيارة الأصدقاء ، أو التجارة أو السياحة ونحو ذلك ؛ وذلك لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ الله وَضَعَ عَنِ المُسَافِرِ الصَّوْمَ ، وَشَطْرَ الصَّلاةِ) [رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه] .
أما المسافر سفر معصية سواء كان مكروهاً أو محرماً ، فلا يباح له القصر ؛ لأن الرخص الشرعية شرعت تخفيفاً وإعانة على المقصد ، فلم تشرع في سفر المعصية حتى لا يعان العاصي على معصيته .
ب) أن يكون المُسافِرُ قاصِداً السَّفَر إلى محلٍّ مُعَيَّن .
فلا يجوز القصر لمن هَامَ على وجهه لا يدري أين يذهب ، ولو بلغ في سَيره مسافة تقصر معها الصلاة ؛ وذلك لانتفاء القصد والنية ؛ فهو لم يقصد السفر ابتداءً ولم ينوه ، ولذا لم يبح له القصر لا في ابتدائه ولا في أثنائه.
ج) أن يَبلغ سفره مَسَافة قَصْرٍ .
وتُقَدَّر مسافة القصر بسِتَّة عَشَر فَرْسَخاً، أو ثَمانِيةً وَأربَعينَ مِيلاً ، وبالمقاييس المعاصرة ما يعادل (81) كيلومتراً تقريباً ، سواء كان السَّفَرُ بَرًّا أو بَحْراً أو جَوًّا ؛ وذلك لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (يَا أَهْلَ مَكَّةَ ! لا تَقْصُرُوا في أَدْنَى مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ ، مِنْ مَكَّةَ إِلى عُسْفَانَ) [رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد ضعيف، والصحيح أنه من قول ابن عباس] .
د) أن يغادر عمران البلد .
وهو أن يفارق بيوت المدينة أو البلدة أو القرية ؛ لقول الله تعالى : )وَإِذَا ضَرَبْتُم في الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ( [النساء:101] ، ومن لم يفارق البيوت لم يضرب في الأرض ، فلا يسمى مسافراً إلا إذا ارتحل ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يقصر صلاته إلا إذا ارتحل كما في حديث أنس رضي الله عنه قال : (صَلَّيتُ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أَرْبَعاً وَصَلَّيْتُ مَعَهُ العَصْرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَينِ) [رواه البخاري ومسلم] .
- ومن خرج مسافراً مسافة تبيح القصر ، ثم بدا له أن يرجع قبل استكمال المسافة ، فلا يعيد الصلاة التي صلاها أثناء سفره ؛ لأن المعتبر نية قطع مسافة القصر لا قطع المسافة نفسها، بدليل أنه يبتدئ القصر بعد مغادرة عمران البلد ، وهي ليست مسافة قصر .
3) الأحوال التي لا يشرع فيها القصر للمسافر :
يجب على المصلي أن يتم صلاته في الحالات الآتية :
أ ) إذا دخل وقت الصلاة وهو مقيم ثم سافر ؛ لأن الصلاة وجبت في ذمته وهو مقيم غير مسافر ، ومن كان هذا حاله فحقه الإتمام لا القصر ؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال : (صَلَّيتُ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أَرْبَعاً وَصَلَّيْتُ مَعَهُ العَصْرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَينِ) [متفق عليه] .
* [القول بالإتمام من مفردات المذهب ، وفي رواية موافقة لجمهور العلماء أنه يباح له القصر ؛ لأن العبرة بفعل الصلاة لا بالزمن ، وقد حكاه ابن المنذر إجماعاً] .
ب) إذا اقتدى المسافر بإمام مقيم ؛ لما روى موسى بن سلمة قال : (كُنَّا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ فَقُلْتُ إِنَّا إِذَا كُنَّا مَعَكُمْ صَلَّيْنَا أَرْبَعًا وَإِذَا رَجَعْنَا إِلَى رِحَالِنَا صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ ؟ قَالَ : تِلْكَ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ) . [رواه أحمد، بإسناد حسن] . وقال نافع : كان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلاها أربعا وإذا صلى وحده صلاها ركعتين [رواه مسلم] .
ج) إذا لم ينو المسافر قصر الصلاة عند الإحرام بالصلاة ؛ لأن الأصل الإتمام ، وإطلاق النية وعدم تحديدها ينصرف إلى الأصل .
د ) إذا نوى المسافر الإقامة مطلقاً من غير تحديد ؛ كالعُمَّال المقيمين للعمل ، والتاجر المقيم للتجارة ، والطالب المقيم للدراسة ونحوهم ، فهؤلاء حكمهم حكم المقيمين؛ لأن السفر المبيح للقصر قد انقطع بنيَّة الإقامة .
هـ) إذا نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام ، أو أقام لحاجة وظن أنها لا تنقضي إلا بعد أربعة أيام ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة صبيحة اليوم الرابع من ذي الحجة وأقام فيها إلى فجر اليوم الثامن ، يقصر الصلاة ، ثم خرج إلى منى ، كما ثبت في الصحيحين من حديث جابر وأبي هريرة رضي الله عنهما ، فيكون بذلك قد صلى إحدى وعشرين صلاة قصراً .
و ) إذا أخَّر المسافر الصلاة بلا عذر حتى ضاق وقتها عنها ؛ لأنه صار بتأخيره عاصياً ، والرخص لم تبح ليتوسل بها إلى فعل المعاصي .
4) الأحوال التي يشرع فيها القصر للمسافر :
ويشرع للمسافر مسافة تبيح القصر أن يقصر الصلاة في الحالات الآتية :
أ ) إذا أقام في بلد لحاجة فوق أربعة أيام وهو لا ينوي الإقامة فيها ولا يدري متى تنقضي حاجته .
كمن يأتي مسافراً إلى بلد لحاجة ويقول اليوم أخرج ، غداً أخرج ، فهذا له أن يقصر الصلاة ولو بقي أكثر من أربعة أيام ؛ لما جاء عن جابر قال : (أَقَامَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِتَبُوكَ عِشْرينَ يَوْماً يَقْصُرُ الصَّلاةَ) [رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح]
ب) إذا أقام في بلد بسبب الحبس ظُلماً أو لعُذر المطر ، ولو أقام سنين ؛ لما جاء عن نافع عن ابن عمرقال: (أَرْتَجَ عَلَيْنَا الثَّلْجُ وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فِى غَزَاةٍ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ : فَكُنَّا نُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ) [رواه البيهقي بإسناد صحيح] .